دعاء نبوي عظيم
بَاب فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال الترمذي في سننه:
3551 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ،قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ طُلَيْقِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو يَقُولُ" رَبِّ أَعِنِّي؛ وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ؛ وَانْصُرْنِي؛ وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ ؛وَامْكُرْ لِي؛ وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ ؛وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ الْهُدَى لِي؛ وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ ؛رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا؛ لَكَ ذَكَّارًا؛ لَكَ رَهَّابًا؛ لَكَ مِطْوَاعًا ؛ لَكَ مُخْبِتًا؛ إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا؛ رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي؛ وَاغْسِلْ حَوْبَتِي؛ وَأَجِبْ دَعْوَتِي؛ وَثَبِّتْ حُجَّتِي ؛وَسَدِّدْ لِسَانِي؛ وَاهْدِ قَلْبِي؛ وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي"
سنن الترمذي »كتاب الدعوات » باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم - هنا= الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3551 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
هذا الدعاء العظيم اشتمل على اثنين وعشرين سؤالًا ومطلبًا,هي من أهم مطالب العبد وأسباب صلاحه وسعادته في الدنيا وفي الآخرة.بَاب فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال الترمذي في سننه:
3551 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ،قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ طُلَيْقِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو يَقُولُ" رَبِّ أَعِنِّي؛ وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ؛ وَانْصُرْنِي؛ وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ ؛وَامْكُرْ لِي؛ وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ ؛وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ الْهُدَى لِي؛ وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ ؛رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا؛ لَكَ ذَكَّارًا؛ لَكَ رَهَّابًا؛ لَكَ مِطْوَاعًا ؛ لَكَ مُخْبِتًا؛ إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا؛ رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي؛ وَاغْسِلْ حَوْبَتِي؛ وَأَجِبْ دَعْوَتِي؛ وَثَبِّتْ حُجَّتِي ؛وَسَدِّدْ لِسَانِي؛ وَاهْدِ قَلْبِي؛ وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي"
سنن الترمذي »كتاب الدعوات » باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم - هنا= الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3551 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
الشرح المُجْمَل:
قَوْلُهُ " رَبِّ أَعِنِّي " أَيْ عَلَى الأعداء ." وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ " أَيِ : الْأَعْدَاء .
"وانصُرْني "، وهذا طلَبٌ للنُّصْرةِ في كلِّ الأحوالِ.
"ولا تَنصُرْ علَيَّ"، أيْ: ولا تَجعَلْني مَغلوبًا، فتُسلِّطْ علَيَّ أحَدًا مِن خَلقِك.
"َ وَامْكُرْ لِي؛ " مَكْرُ اللَّهِ إِيقَاعُ بَلَائِهِ بِأَعْدَائِهِ دُونَ أَوْلِيَائِهِ ،
وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ:أي ولا تهد عدوي إلى طريق دفعه إياي عن نفسه.
وَاهْدِنِي:أي دلني على أبواب الخيرات ومن علي بالعلم النافع وبصرني بعيوب نفسي.
وَيَسِّرْ الْهُدَى لِي:أي وسهل لي اتباع الهداية وسلوك طريقها وهيء لي أسباب الخير حتى لا استثقل الطاعة ولا اشتغل عن العبادة.
وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ: أي وانصرني على من ظلمني وتعدى علي.
رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا:أي الهمني شكرك على نعمائك وآلائك علي.
لَكَ ذَكَّارًا:أي في الأوقات كلها قائمًا وقاعدًا وعلى جنب.
."لَكَ رَهَّابًا" أَيْ : خَوَّافًا خَاشِعًا بِالْمُبَالَغَةِ.
لَكَ مِطْوَاعًا :أي كثير الطوع وهو الانقياد والمتثال والطاعة.
" لكَ مُخْبِتًا " مِنَ الْإِخْبَاتِ وَهُوَ الْخُشُوعُ وَالتَّوَاضُعُ
"إِلَيْكَ أَوَّاهًا " أَيْ : مُتَضَرِّعًا ، وَقِيلَ : بَكَّاءٌ ، وَقِيلَ : كَثِيرُ الدُّعَاء -
"ِ مُنِيبًا " مِنَ الْإِنَابَةِ وَهُوَ الرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ-
رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي :أي بجعلها صحيحة بشرائطها واستجماع آدابها.
"واغْسِلْ حَوْبَتِي " أي:وامح ، حَوْبَتِي: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتُضَمُّ ، أَيْ : خَطِيئَتِي .
وَأَجِبْ دَعْوَتِي :أي دعائي.
وَثَبِّتْ حُجَّتِي :أي على أعدائك في الدنيا والعقبى,وثبت قولي وتصديقي في الدنيا وعند سؤال الملكين.
"وَسَدِّدْ لِسَانِي" أي: صَوِّبْ لِساني؛ حتَّى لا يَنطِقَ إلَّا بالحقِّ، ولا يَقولَ إلَّا الصِّدْقَ.
"واهْدِ قَلْبي"، أي: أرشِدْه ووفِّقْه إلى مَعرِفتِك، ومعرفةِ الحقِّ والهُدى والصِّراطِ المستقيم.
"وَاسْلُلْ " أَيِ : انْزَعْ "سَخِيمَةَ صَدْرِي " بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الْحِقْدُ . حاشية السندي على ابن ماجه= هنا =
*الشرح المفصل :
الدُّعاءُ والتَّذلُّلُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بكلِّ ما يَليقُ بذاتِه مِن مَفاتيحِ تَفْريجِ الكُروبِ، وفيه يُظهِرُ العبدُ تَضرُّعَه وانقيادَه للهِ سبحانه؛ لعِلْمِه بأنَّه سبحانه هو القادرُ على إجابةِ دُعائِه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان يقولُ في دُعائِه: "رَبِّ أعِنِّي"، أي: أطلُبُ مِنك العونَ، والتَّوفيقَ لطاعتِك، وعبادتِك على الوجهِ الأكملِ الَّذي يُرْضيك عنِّي, وأطلُبُ مِنك العونَ على جميعِ الأمورِ الدِّينيَّةِ والدُّنيَويَّةِ والأُخرَويَّةِ، وفي مُقابلةِ الأعداءِ أمِدَّني بمَعونتِك وتوفيقِك.
أَيْ عَلَى أَعْدَائِي فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنَ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ .
"ولا تُعِنْ علَيَّ" ولا تَجعَلْ عونَك لِمَن يمنَعُني عن طاعتِك مِن النَّفْسِ الأمَّارةِ بالسُّوءِ، ومِن شَياطينِ الإنسِ والجِنِّ.
"وانصُرْني"، وهذا طلَبٌ للنُّصْرةِ في كلِّ الأحوالِ، وقيل: مَعْناه: انصُرْني على نَفْسي الأمَّارةِ بالسُّوءِ؛ فإنَّها أَعْدى أعدائي، كما قال سبحانَه"إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي"يوسف: 53، ولا مانِعَ مِن إرادةِ الجَميعِ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لم يُخصِّصْ نوعًا مُعيَّنًا. "ولا تَنصُرْ علَيَّ"، أيْ: ولا تَجعَلْني مَغلوبًا، فتُسلِّطْ علَيَّ أحَدًا مِن خَلقِك, ولا تَنصُرِ النَّفسَ الأمَّارَةَ بالسُّوءِ علَيَّ، فأتَّبِعَ الهَوى وأترُكَ الهُدى.
*قال أبو داوود فى سننه: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ،قال :حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ،عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ،عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِكَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ قال"قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ ،قَالَ قُلْهَا إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ"
سنن أبي داود » أبواب النوم » باب ما يقول إذا أصبح / صفحة 317 / حديث رقم 5067/ قال الشيخ الألباني : صحيح والدرر السنية
"وامْكُرْ لي"، والْمَكْرُ هو الخِداعُ، وهو مِن اللهِ إيقاعُ بَلائِه بأعدائِه مِن حيثُ لا يَشعُرون في قابلة مكرهم، وهو صِفةُ كَمالٍ في حَقِّه تعالى، أي: أنزِلْ مَكْرَك بمَن أراد بي شَرًّا وسُوءًا، وارزُقْني الحيلةَ السَّليمةَ، والطَّريقةَ الْمُثْلى في دَفْعِ كَيْدِ عدوِّي، فأَسْلَمَ مِن كَيدِهم وشَرِّهم.
أي: اللَّهُمَّ اهْدِنِي إِلَى طَرِيقِ دَفْعِ أَعْدَائِي عَنِّي.
"ولا تَمكُرْ علَيَّ"، أي: ولا تَهْدِ عدُوِّي إلى طريقِ دَفْعِه إيَّاي عن نفسِه, ولا تُعامِلْني بسُوءِ نيَّتي، فأغتَرَّ وأتجاوَزَ الحَدَّ مِن حيثُ لا أشعُرُ فأَهلكَ، والمكرُ مِن صفاتِ اللهِ تعالى الفِعليَّةِ المقيَّدةِ الَّتي تقَعُ بمَشيئتِه، فلا تُطلَقُ على اللهِ تعالى إلَّا في سبيلِ المقابَلةِ والجزاءِ لِمَن يَمكُرُ به تعالى وبأوليائِه.
*قال أبو داود في سننه : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، قال: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ،عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ"
سنن أبي داود» كتاب الصلاة » باب تفريع أبواب الوتر » باب ما يقول الرجل إذا خاف قوما=الدرر =
"اللَّهمَّ إنَّا نَجعَلُك في "نُحورِهم" في مَوضْعِ النَّحْر؛ يَعني: استِقْبالَهم مِن الأمامِ، وهي جهةُ المُواجَهةِ معَهم، وأيضًا النَّحْرُ هو: موضِعُ الذَّبْحِ والقَتْلِ، فالمعنى: أن يَكفِيَنا اللهُ مِنهم إذا أرادونا بسوءٍ، "ونَعوذُ بك مِن شُرورِهم" ونَلوذُ ونلتجِئُ باللهِ مِن كَيدِهم ومَكْرِهم، وما يُريدون بنا من شرورٍ.
وفي الحديثِ: الاستعانةُ باللهِ في الحروبِ وجميعِ الأحوالِ. =الدرر = .
"واهْدِني"، أي: أرشِدْني ووَفِّقْني بالهدايةِ مِن عندِك، ولا أَزيغَ عنها حتَّى ألْقاك. "ويَسِّرِ الهُدى لي"، أي: سَهِّل لي اتِّباعَ الهدايةِ، وسُلوكَ طَريقِها، وهَيِّئْ لي أسبابَ الخيرِ، حتَّى لا أستَثقِلَ الطَّاعةَ، ولا أنشَغِلَ عن العبادةِ.
*عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول"اللهمَّ ! إني أسألُك الهدى والتقى ، والعفافَ والغنى . وفي روايةٍ : والعفَّةَ" الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-
الصفحة أو الرقم: 2721 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر =
الشرح:هذا حديثٌ جامِعٌ لِأبوابِ الخَيْرِ، وما يَنْبَغِي على الإنْسانِ فِعلُه لصَلاحِ حالِه، ومَآلِهِ في الدُّنيا والآخِرَةِ.
فقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"أَسألُكَ الهُدَى والتُّقَى" مِن دونِ تَقْيِيدٍ لَهُما لِيتناوَلَ كُلَّ ما يَنْبَغِي أنْ يَهتَدِيَ إليه مِن أمْرِ المعاشِ والمعادِ، ومَكارمِ الأَخْلاقِ، وكُلَّ ما يَجِبُ أن يَتَّقيَ مِنه مِن الشِّركِ والمعاصِي، ورَذائلِ الأَخْلاقِ.
وقَولُه"العَفافُ" العِفَّةُ عن كُلِّ ما حَرَّمَ اللهُ عليه، فالعَفافُ: أنْ يَعِفَّ عن كُلِّ ما حرَّم اللهُ عليه فيما يَتعلَّقُ بِجَميعِ المحارمِ الَّتي حَرَّمها اللهُ عزَّ وجلَّ. وأمَّا "الغِنى" فَالمُرادُ به الغِنَى عَمَّا سِوَى اللهِ، أيِ: الغِنَى عَنِ الخَلْقِ، فَالإنسانُ إذا وَفَّقَه اللهُ ومَنَّ عليه بِالاستغْنَاءِ عنِ الخَلْقِ، صار عَزيزَ النَّفْسِ غَيرَ ذَليلٍ؛ لأنَّ الحاجَةَ إلى الخَلْقِ ذُلٌّ ومَهانَةٌ، والحاجَةُ إلى اللهِ تَعالى عِزٌّ وعِبَادَةٌ.
وفي الحديثِ: أنَّ الَّذي يَملِكُ النَّفعَ والضَّرَّ والهِدايةَ لِلخَلْقِ هو اللَّهُ وَحْدَه، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبيٌّ مُرْسَلٌ ولا غَيرُهُما . - الدرر =
مَراتِب الهداية:
قال ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد : الهداية أربعة أنواع :
°أحدها : الهداية العامة المشتركة بين الخلق المذكورة في قوله تعالى " قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " طه :50" أي أعطَى كلَّ شيء صورته التي لا يشتبه فيها بغيره ، وأعطى كل عضو شكله وهيئته ، وأعطى كل موجود خلقه المختص به ثم هداه لما خلقه من الأعمال .
قال وهذه الهداية تعم الحيوان المتحرك بإرادته إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره .
قال وللجماد أيضا هداية تليق به ، كما أن لكل نوع من الحيوان هداية تليق به وإن اختلفت أنواعها وصورها ، وكذلك لكل عضو هداية تليق به ، فهدى الرجلين للمشي ، واللسان للكلام ، والعين لكشف المرئيات ، وهلم جرا .
وكذلك هدى الزوجين من كل حيوان إلى الازدواج والتناسل وتربية الولد ، والولد إلى التقام الثدي عند وضعه ، ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو .
°الثاني : هداية البيان والدلالة والتعريف لنجدي الخير والشر ، وطريقي النجاة والهلاك .
وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام فإنها سبب وشرط لا موجب ، ولهذا ينتفي الهدى معها كقوله تعالى" وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى"فصلت 17. أي بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا .
°الثالث : هداية التوفيق والإلهام ، وهي الهداية المستلزمة للاهتداء فلا يتخلف عنها وهي المذكورة في قوله تعالى "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ"القصص : 56. فنفى عنه هذه الهداية وأثبت له هداية الدعوة والبيان في قوله "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ "الشورى : 52..
°الرابع : غاية هذه الهداية وهي الهداية إلى الجنة أو النار إذا سيق أهلهما إليهما . قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ " يونس :9" وقال أهل الجنة فيها " وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " الأعراف:43. وقال في حق أهل النار " احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ " الصافات : 22، 23، . انتهى. غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب . هنا =
"وانصُرْني على مَن بَغى علَيَّ"، أي: وانصُرْني على مَن ظلَمَني وتَعدَّى علَيَّ, وهذا تخصيصٌ بعدَ العُمومِ في قولِه أوَّلًا "وانصُرْني ولا تَنصُرْ علَيَّ".
بعد: أن توسَّل إليه تعالى فيما ينفعه في تعامله وسيره مع خلقه، شرع في التوسل إلى اللَّه تعالى فيما ينفعه ويقرّبه، ويصلح أحواله مع عبادته لربه تعالى، وأن هذه المطالب هي الأعظم والأهمّ عنده، كما دلّ على ذلك صيغ المبالغة، وتقديم الجار والمجرور= هنا =
"ربِّ اجعَلْني لك شَكَّارًا"، أي: كثيرَ الشُّكرِ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، وفي القولِ والعمَلِ، وفي السِّرِّ، وفي العلَنِ،- وفي تقديمِ الجارِّ والمجرورِ "لك" دَلالةٌ على الاختِصاصِ، لِلِاهْتِمَامِ وَالِاخْتِصَاصِ أَوْ لِتَحْقِيقِ مَقَامِ الْإِخْلَاصِ- أي: أخُصُّك بالشُّكرِ؛ لأنَّك خالِقُ النِّعَمِ، ومُعْطيها، سأَل اللهَ التَّوفيقَ إلى الشُّكرِ؛ لأنَّ به تَدُومُ النِّعمُ.
"لكَ ذَكَّارًا"، أي: كثيرَ الذِّكرِ لك في كلِّ الأوقاتِ والأحوالِ، وفي سُؤالِه تعالى التَّوفيقَ إلى الذِّكرِ؛ لأنَّه هو أفضلُ الأعمالِ.
قال صلى الله عليه وسلم:
"ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم ، وأزكاها عندَ مليكِكُم ، وأرفعِها في درجاتِكُم وخيرٌ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ ، وخيرٌ لَكُم من أن تلقَوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضربوا أعناقَكُم ؟ قالوا : بلَى . قالَ : ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى قالَ معاذُ بنُ جبلٍ : ما شَيءٌ أنجى مِن عذابِ اللَّهِ من ذِكْرِ اللَّهِ "الراوي : أبو الدرداء - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3377 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
الشرح:
لذِكرِ اللهِ تَعالَى فوائدُ كثيرةٌ؛ فهو يُطَمئِنُ القلبَ، ويَرفَعُ الدَّرجاتِ، ويَمْحو اللهُ تعالى به السَّيِّئاتِ، وقد حثَّنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على الإكثارِ مِن الذِّكرِ، وبيَّن لنا أنَّه يكونُ في كلِّ الأوقاتِ؛ كما في هذا الحديثِ، حيثُ يَقولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأصحابِه: "ألَا"، أي: هَل، "أُنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكم"، أي: أُخبِرُكم وأُعْلِمُكم بأفضلِ أعمالِكم وأشرَفِها، "وأزْكاها"، أي: أَنْماها وأطهَرِها وأنقاها، عندَ "مَليكِكم"، المليكُ بمَعْنى المالكِ، وهو اللهُ عزَّ وجلَّ؛ فهو المَلِكُ والمالِكُ سبحانه وتعالى، "وأرفَعِها في دَرَجاتِكم"، أي: مَنازِلِكم في الجنَّةِ يومَ القيامةِ، "وخيرٍ لَكُم مِن إنفاقِ"، أي: التَّصدُّقِ وبَذْلِ أموالِكم مِن "الذَّهبِ"، وهو المعدِنُ المعروفُ، "والوَرِقِ"، أي: الفِضَّةِ، "وخيرٍ لكم مِن أن تَلْقَوْا عدوَّكم" مِن الكُفَّارِ للقِتالِ، "فتَضْرِبوا أعناقَهم"؛ وذلك بأن تَقتُلوهم، "ويَضْرِبوا أعناقَكم؟" بأن يَقتُلوكم، وهذا بيانٌ لِبَذْلِ النُّفوسِ، "قالوا"، أي: صَحابةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الحاضِرون معَه: "بلى"، أي: أخبِرْنا بهذا العمَلِ الَّذي له هذا الثَّوابُ العظيمُ، "قال" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "ذِكْرُ اللهِ تعالى"، في كلِّ الأوقاتِ وعلى جميعِ الهيئاتِ والحالاتِ، "قال مُعاذُ بنُ جَبلٍ"، ابنِ عَمرِو بنِ أوسِ بنِ عائذِ بنِ عَدِيِّ بنِ كعبِ بنِ عمرٍو الأنصاريُّ الخزرجيُّ رَضِي اللهُ عَنه "ما شيءٌ أنْجَى"، أي: أعظَمُ الأشياءِ الَّتي يَنْجو بها العبدُ يومَ القيامةِ، "مِن عَذابِ اللهِ" وعِقابِه وسَخطِه ونارِه، "مِن ذِكْرِ اللهِ" تعالى في جميعِ الأوقاتِ وعلى جميعِ الهيئاتِ.
وهذا مِن فَضلِ اللهِ على عِبادِه وتَكرُّمِه عليهم؛ فإنَّ إدامةَ الذِّكْرِ تَنوبُ عن التَّطوُّعاتِ، وتَقومُ مَقامَها، سواءٌ كانَت بدَنيَّةً أو ماليَّةً، وقد جاء ذلك صريحًا في صَحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "أفَلا أُعلِّمُكم شيئًا تُدرِكون به مَن سبَقَكم، وتَسْبِقون به مَن بَعْدَكم، ولا يَكونُ أحَدٌ أفضَلَ مِنْكم إلَّا مَن صنَع مِثلَ ما صنَعتُم؟ قالوا: بَلى يا رسولَ اللهِ! قال: تُسبِّحون وتَحْمَدون وتُكبِّرون خَلْفَ كلِّ صلاةٍ"، الحديثَ، .......
وفي الحديثِ: فضلُ الذِّكرِ والحثُّ على الإكثارِ مِنه، وتَفاوُتُ الأعمالِ في الشَّرفِ.
وفيه: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَتفضَّلُ بالثَّوابِ الكَبيرِ على العملِ اليسيرِ.= الدرر =
"لا يقعدُ قومٌ يذكرون اللهَ عز وجل إلا حفَّتْهم الملائكةُ ، وغشيتْهم الرحمةُ ، ونزلتْ عليهم السكينةُ ، وذكرهم اللهُ فيمن عنده"الراوي : أبو سعيد الخدري و أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2700 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
الشرح:
ذِكرُ اللهِ عزَّ وجلَّ مِن أيسَرِ العِباداتِ، ومعَ ذلكَ فهوَ مِن أعظمِها أَجْرًا؛ إذ يدلُّ على تعلُّق القَلبِ باللهِ، وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه "لا يَقعُدُ قومٌ" والمُرادُ "بالقُعودِ" حَبسُ النَّفسِ على ذِكرِ اللهِ، وقولُه: "يَذكُرونَ اللهَ عزَّ وجلَّ"، أي: بما ورَدَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، مِن التَّسبيحِ والاستِغفارِ، وقِراءة القِرآنِ ودِراستِه، وغيرِ ذلك، "إلَّا حفَّتْهم الملائكةُ"، أي: أحاطتْ بِهمُ المَلائكَةُ التي تَبحَثُ عن مَجالسِ الذِّكرِ، "وغشيَتْهُم الرَّحمةُ"، أي: عمَّتْهُمُ رحمةٌ مِنَ اللهِ، "ونزلَتْ علَيهِمُ السَّكينَةُ"، و"السَّكينَةُ": الطُّمأنينَةُ والوَقارُ، فتَطمئنُّ قلوبُهم بذكْرِ اللهِ، "وذَكَرَهمُ اللهُ فيمَن عِندَهُ"، أي: يُباهِي بِهم مَن عِندَهُ في المَلأِ الأَعلَى.
وفي الحديث: بيانٌ لفَضلِ ذِكرِ اللهِ تعالى في جماعةٍ، وبيانُ ما يكونُ لهم مِن اللهِ سبحانَه حالَ ذِكرِهم. = الدرر =
اللهم اجعلني لكَ ذَكَّارًا.
"لك رَهَّابًا"، أي: خائِفًا منك في كلِّ أحوالي.
“إني أخاف الله” حصن حصين، وسد منيع يحول بين الإنسان وبين مقارفة الفواحش والآثام، يحول بينه وبين كل إثم وقبيح ورذيلة، شعار عظيم يحمي الدين ويحمي الأخلاق ويحمي الإيمان ويحمي العقيدة ويحمي المجتمعات من الشر والفساد.. فالخائف من الله حقًّا هو الذي يتجنب محارم الله، وليس الخوف بكثرة البكاء ولا بغزارة الدموع، وإنما الخوف حقًّا هو الخوف الذي ينهى النفس عن هواها، ويأمرها بطاعة مولاها، ويقودها إلى جنة المأوى ودار النعيم.. “إني أخاف الله”.
قال تعالى"وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"النازعات :40.
ولمن خاف قيام ربه عليه وكونه مراقبًا له، ومهيمنًا عليه. و خاف عظمته وجلاله ، وسلح نفسه بالإِيمان والعمل الصالح استعدادًا لهذا اليوم الذى يجازَى فيه كلُّ إنسانٍ بما يستحقُه ، وزجر نفسه وكفها عن السيئات والمعاصي والميول نحو الأهواء الضالة المضلة .تفسير الوسيط=هنا= وهنا=
في زمن آدم -عليه السلام- نزغ الشيطان بين ولديه، وأوقع في نفس أحدهما أن يقتل أخاه لسبب تافهٍ سخيف فذهب هذا الأخ متكبرًا متجبرًا، وأخذ يهدد أخاه ويتوعده بالقتل.فما كان جواب الأخ المُهَدد؟
قال تعالى"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ*قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهََ رَبَّ الْعَالَمِينَ"المائدة:27- 28.
ما امتنع ضعفًا ولا عجزًا ولا جُبنًا، ما امتنع لأنه غير قادر عن الدفاع عن نفسه،ما امتنع لأنه لا يملك سلاحًا في يده ،وإنما امتنع خوفًا من الله "إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ".
وهذا يوسف عليه السلام عصمه الخوف من الله من الوقوع في الفاحشة:
*قال تعالى "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ " يوسف : 23 .
"قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ " أي: أعوذ بالله وأعتصم به اعتصامًا مما تحاولينه معي أن أفعل هذا الفعل القبيح، لأنه مما يسخط الله .والضمير في «إِنَّهُ» يصح أن يعود إلى الله- تعالى- فيكون لفظ ربي بمعنى خالقي.
والتقدير: قال يوسف في الرد عليها: معاذ الله أن أفعل الفحشاء والمنكر، بعد أن أكرمنى الله- تعالى- بما أكرمنى به من النجاة من الجب، ومن تهيئة الأسباب التي جعلتني أعيش معززًا مكرمًا، وإذا كان- سبحانه- قد حباني كل هذه النعم فكيف أرتكب ما يغضبه؟.
وجوز بعضهم عودة الضمير في «إِنَّهُ» إلى زوجها، فيكون لفظ ربي بمعنى سيدي ومالكي، والتقدير: معاذ الله أن أقابل من اشتراني بماله، وأحسن منزلي، وأمرك بإكرامي- بالخيانة له في عرضه.
وفي هذه الجملة الكريمة تذكير لها بألطف أسلوب بحقوق الله- تعالى- وبحقوق زوجها، وتنبيه لها إلى وجوب الإقلاع عما تريده منه من مواقعتها، لأنه يؤدي إلى غضب الله وغضب زوجها عليها.
وجملة" إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ" تعليل آخر لصدها عما تريده منه.أي: إن كل من ارتكب ما نهى الله- تعالى- عنه، تكون عاقبته الخيبة والخسران وعدم الفلاح في الدنيا والآخرة فكيف تريدين مني أن أكون كذلك؟.تفسير الوسيط=هنا=
فإذا عرضت لك وسوسة من إنسان، أو نزغة من شيطان، أو فتنة من الفتن، فاصرخ بكل صوتك وقل"إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ".
فإذا سعت فتنُ الحياةِ تبشُّ لكْ
وتبرّجت في خلوة الرُّقباءِ لكْ
وأتت تدندنُ في المكانِ بهيت لكْ
قل"إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ"
مهما تبرجت الفتن وزينها الشيطان ؛من نظر محرم وسمع محرم وكلام محرم وبطش محرم باليد والرجل ، فقد يزين الشيطان ما يغضب الله بأن هناك مصالح تُجنى مع هذا الفعل ، درء المفاسد أولى من جلب المصالح
فلنتعوذ ونسأل الله العافية من شر حواسنا :
* عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَلِّمْنِي تَعْوِيذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ قَالَ : قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي ،وَشَرِّ بَصَرِي، وَشَرِّ لِسَانِي، وَشَرِّ قَلْبِي ، وَشَرِّ مَنِيِّي" مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح »كتاب أسماء الله تعالى »باب الاستعاذة - هنا= و الدرر السنية =
الشرح:
"اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن شرِّ سَمْعي"، أي: أنْ يكونَ في مَعصيتِكَ؛ كتصنتٍ وتجسُّسٍ فيما حرَّم اللهُ عزَّ وجلَّ، "ومِن شرِّ بصَري"، أي: أن أُطلِقَه فيما أمَر اللهُ عزَّ وجلَّ بغَضِّ البصرِ عنه، "ومِن شرِّ لساني"، أي: مِن الكلامِ الَّذي لا يكونُ فيه ذِكرُ الله تعالى، أو ممَّا أباحه اللهُ عزَّ وجلَّ، "ومِن شرِّ قَلْبي"، أي: مِن أن يعتقِدَ اعتقادًا فاسدًا، أو يكونَ به حِقْدٌ أو حسَدٌ أو حبٌّ للمعاصي وأهلِها، "ومِن شَرِّ مَنِيِّي- يَعْني: فَرْجَه"، أي: أعوذُ بك أن أُوقِعَه في غَيرِ مَحلِّه أو يُوقِعَني في الزِّنا، أو أنْ يَغلِبَ عليَّ حتَى أقَعَ في الزِّنا أو مُقدمِّاته، وقيل: المرادُ الاستعاذةُ مِن شَرِّ شِدَّةِ الشَّهوةِ إلى الجِماعِ؛ فإنَّه بالإفراطِ ربَّما أوْقَعَ في الزِّنا أو مُقدِّماتِه. وتَخصيصُ هذِه المذكوراتِ بالاستعاذةِ منها؛ لأنَّها أصلُ كلِّ شَرٍ وقاعدتُه ومَنبعُه. الدرر السنية =
"لك مُطيعًا"، وفي روايةٍ: "لك مِطْواعًا"، أي: كثيرَ الطَّوْعِ، وهو الانقيادُ والامتِثالُ والطَّاعةُ لأوامِرِك، والبعدُ عن نَواهيك.
"لك مُخبِتًا"، أي: كثيرَ الإخباتِ أَيْ خَاضِعًا خَاشِعًا مُتَوَاضِعًا مِنَ الْإِخْبَاتِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ، وعلامَتُه: أن يَذِلَّ القلبُ بينَ يدَيِ اللهِ تعالى إجلالًا وتذَلُّلًا.
"إليك أوَّاهًا" والأوَّاهُ هو: الرحيم الرقيق القلب ، كثيرُ التَّضرُّعِ والدُّعاءِ والبُكاءِ للهِ عزَّ وجلَّ .أَيْ مُتَضَرِّعًا فَعَّالٌ لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ أَوَّهَ تَأْوِيهًا وَتَأَوَّهَ تَأَوُّهًا إِذَا قَالَ أَوْهُ أَيْ قَائِلًا كَثِيرًا لَفْظَ أَوْهُ وَهُوَ صَوْتُ الْحَزِينِ . أَيِ اجْعَلْنِي حَزِينًا وَمُتَفَجِّعًا عَلَى التَّفْرِيطِ أَوْ هُوَ قَوْلُ النَّادِمِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ الْمُقَصِّرِ فِي طَاعَتِهِ وَقِيلَ الْأَوَّاهُ الْبَكَّاءُ.
"مُنيبًا" والمنيبُ كثيرُ الرُّجوع إلى اللهِ مِن الذُّنوبِ والخَطايا.
وَالْإِنَابَةُ مِنَ الْغَفْلَةِ إِلَى الذِّكْرِ وَالْفِكْرَةِ ، وَالْأَوْبَةُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ وَالْمُشَاهَدَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ : وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي قَوْلِهِ أَوَّاهًا مُنِيبًا بِصِلَةٍ وَاحِدَةٍ لِكَوْنِ الْإِنَابَةِ لَازِمَةً لِلتَّأَوُّهِ وَرَدِيفًا لَهُ فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَمِنْ قَوْلِهِ " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ" أي:كثير التضرع إلى الله، سريع الرجوع إليه في كل ما يحبه ويرضاه.
"رَبِّ تقَبَّلْ توبَتي"، أي: اجعَلْها صَحيحةً بشَرائِطِها وآدابِها، وتَقبَّلْها منِّي.
من رحمة الله بهذا الإنسان الضعيف أنه فتح له باب التوبة ، وأمره بالإنابة إليه ، والإقبال عليه، كلما غلبته الذنوب ولوثته المعاصي ، ولولا ذلك لوقع الإنسان في حرج شديد ، وقصرت همته عن طلب التقرب من ربه ، وانقطع رجاؤه من عفوه ومغفرته ، فالتوبة من مقتضيات النقص البشري ، ومن لوازم التقصير الإنساني .
عَنْ أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال " إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" رَوَاهُ الْتِّرْمِذِيُّ :3537. وحسنه الألباني .
قال النووي رحمه الله تعالى " التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط: أحدها أن يُقلع عن المعصية ، والثاني أن يندم على فعلها ، والثالث أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدًا، فإن فقد أحدَ الثلاثة لم تصحّ توبته. وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالًا أو نحوه ردَّه إليه ، وإن كانت حدَّ قذفٍ ونحوه مكّنه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبةً استحلّه منها . ويجب أن يتوب من جميع الذنوب ، فإن تاب من بعضها صحّت توبته -عند أهل الحق- من ذلك الذنب الذي تاب منه، وبقي عليه الباقي" انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
"واغسِلْ حَوبَتي"، أيِ: امْسَحْ - امْحُ -ذَنبي وإثمي، وذَكَر الغَسْلَ لِيُفيدَ إزالتَه بالكُلِّيَّةِ.
كما في دعاء الاستفتاح:
«اللَّهُمَّ اغسلْنِي مِن خطاياي بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ«
إذاً؛ فالذي يظهر: أنَّ الجملةَ الأُولى في المباعدة،
أي: أن لا أفعلَ الخطايا، ثم إن فَعلتُها فنقِّني منها، ثم أزِلْ آثارَها بزيادة التطهير بالماء والثَّلجِ والبَرَدِ
فالماء لا شَكَّ أنه مطهِّرٌ، لكن الثَّلجُ والبَرَدُ مناسبته هنا أنَّ الذُّنوب آثارها العذابُ بالنَّارِ
والنَّارُ حارَّة، و الحرارةُ يناسبها في التنقية منها الشيء البارد، فالماء فيه التنظيف، والثَّلجُ والبَرَدُ فيهما التبريدُ.العثيمين = هنا =
"وأجِبْ دَعْوتي"، أي: استَجِبْ كلَّ دُعائي. "وثَبِّتْ حُجَّتي"، أي: ثبِّتْ حُجَجي وبَراهيني في الدُّنيا على أعدائِك بالحجَّةِ الدَّامِغةِ، والدَّعوةِ، والأمرِ بالمعروفِ، والنَّهيِ عن المنكَرِ بالأدلَّةِ البيِّناتِ السَّاطعةِ، وثبِّتْ قَولي في الآخرةِ عِندَ سُؤالِ الملَكَينِ في القَبْرِ، والحُججُ هي البيِّناتُ والدَّلائلُ.
"وَسَدِّدْ لِسَانِي" أي: صَوِّبْ لِساني؛ حتَّى لا يَنطِقَ إلَّا بالحقِّ، ولا يَقولَ إلَّا الصِّدْقَ.
ثم خَتم صلَّى الله عليه وسلَّم دُعاءَه بقولِه:
"واهْدِ قَلْبي"، أي: أرشِدْه ووفِّقْه إلى مَعرِفتِك، ومعرفةِ الحقِّ والهُدى والصِّراطِ المستقيم.
" وَاسْلُلْ " بِضَمِّ اللَّامِ الْأُولَى أَيْ أَخْرِجْ مِنْ سَلَّ السَّيْفَ إِذَا أَخْرَجَهُ مِنَ الْغِمْدِ " سَخِيمَةَ صَدْرِي" أَيْ غِشَّهُ وَغِلَّهُ وَحِقْدَهُ .
"اسْلُلْ سَخيمةَ قَلْبي"، أي: أخرِجْ مِن قَلْبي: الحِقْدَ والغِلَّ، والحسدَ والغِشَّ ، ونحوها مما ينشأ من الصدر ويسكن في القلب من مساويء الأخلاق.
القلب السليم: هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد، والشح الكبر وحب الدنيا والرياسة، فسلم من كل آفة تبعده عن الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبر الله، ومن كل شهوة تعارض أمر الله، وسلم من كل إرادة تزاحم مراد الله، وسلم من كل قاطع يقطع عن الله.
وفي الحديثِ: الدُّعاءُ بما فيه أسبابُ الصَّلاحِ والسَّعادةِ في الدُّنيا والآخِرَةِ.
الدرر السنية = هنا = و تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي = هنا = و ملتقى الخطباء = هنا=
وبهذا الشرح الموجز لما اشتمل عليه هذا الدعاء من المسائل العظيمة والمطالب الجليلة يتبين عظم هذا الدعاء وأنه مما ينبغي الاهتمام به وملازمة التضرع به إلى الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق