عداد الزوار

‏إظهار الرسائل ذات التسميات قسم القرآن. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قسم القرآن. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 25 يناير 2024

مدخل مبسط لأحكام التجويد

مدخل مبسط لأحكام التجويد
القلقلة هي اضطراب الحرف المقلل حال سكونه في مخرجه.

حروف القلقلة:مجموعة في كلمة : قطب جد أي الحروف الآتية: ق ، ط، ب، ج، د.
يشترط لقلقلة أي حرف من هذه الحروف أن يكون ساكنًا .والسكون يكون إما أصلي أي الحرف عليه سكون، وإما أن يكون متحرك وسكن بسبب الوقف عليه.
أمثلة تطبيقية:
وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا (1) فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا (2) فَٱلۡمُغِيرَٰتِ صُبۡحٗا (3) فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعٗا (4) فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا (5)
هذه الكلمات تحوي حروف مقلقة: سبب قلقلتها أنها من حروف قطب جد وساكنة وسكونها هنا أصلي.
إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ (6) وَإِنَّهُۥ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٞ (7) وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ (8)
هذه الكلمات تحوي حروف مقلقة: سبب قلقلتها أنها من حروف قطب جد وساكنة وسكونها هنا بسبب الوقف.
______________________
المد الطبيعي أو المد الأصلي:

حروف المد ثلاثة: الواو الساكنة قبلها ضم/ الياء الساكنة قبلها كسر/ الألف الساكنة قبلها فتح.هذه الحروف تمد حركتان - ويسمى مد طبيعي- إذا لم يأت بعدها همزة أو حرف مشدد أو ساكن.

مثل: قال / كتاب/ غفار/ تفاح / قيل / سميع / بصير قدير/ قرنبيط / موز / سبوح / قدوس / صبور. المدّ الفرعيّ:هو المد الذي يُطال فيه الصوت بأحد حروف المد زيادة على المد الطبيعي لسبب جاء بعده كالهمزة أو الحرف المشدد .وينعدم بانعدام هذا السبب، وسُمّي فرعيًا لتفرعه عن المد الطبيعي.
أمثلة للمد بسبب الهمز بعده: الشُّهَدَاءُ / إِلَىٰ أَجَلِهِ / وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا /

المد اللازم هو ما كان سبب المد فيه السكون، ومن ذلك أن يعقب حرف المد حرف مثقل أي الذي فيه تشديد مثل: ولاالضالِّين، أو السكون المخفف مثل قوله تعالى في سورة يونس: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ "يونس: 91" .وَلَا يُضَارَّ.
___________
النون والميم المشددتين : حكمهما: وجوب الغنة من الخيشوم بمقدار حركتين . .أمثلة ذلك:
النَّاس / الجِنَّة / الخَنَّاس / جَهَنَّم / إنَّ / فأمَّا / ثُمَّ / فَأُمُّهُ
الإخفاء الشفوي والإقلاب:
يلاحظ عند الإخفاء الشفوي تلاصق الشفتين ببعضهما تلاصقا رقيقا (أي عدم الضغط عليهما ضغطا قويا)
الإقلاب اصطلاحا: تحويل النون الساكنة أو التنوين ميما مخفاة بغنة إذا وقع بعدها حرف الباء.
ويتم إخفاء الميم المنقلبة عن النون بترك فرجة خفيفة بين الشفتين وعدم الشد عليهما. كما يجب مد الغنة بعد الإقلاب مقدار حركتين

إذا جاء بعد النون الساكنة باء تقلب النون الساكنة لميم شفوية.

- ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَـنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَـعْدِ مُوسَى ﴾ (البقرة 246) .
- ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنـبَـتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنـبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ﴾ (البقرة 261) .
- ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَـاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ﴾ (آل عمران 44)
- ﴿وَاللّهُ بَصِيـرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران 15) .
- ﴿ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِـالظَّالِمِينَ﴾ (البقرة 246)
إذا جاء بعد الميم الساكنة باء تخفى الميم في الباء إخفاءً شفويا بغنة من الخيشوم مقدارها حركتين.مثال" وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ "
﴿سَلْهُم أَيُّهُم بِـذَلِكَ زَعِيمٌ﴾( القلم 40)
﴿فَإِذَا هُم بِـالسَّاهِرَةِ﴾ ( النازعات 14)
﴿وَمَا صَاحِبُكُم بِـمَجْنُونٍ﴾ ( التكوير 22)

﴿إِنَّ رَبَّهُم بِـهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ﴾ ( العاديات 11)
﴿تَرْمِيهِم بِـحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ﴾ ( الفيل 4)

____________

أحكام النون الساكنة ونون التنوين الساكنة:
أولًا الإظهار الحلقي:هنا
تعريف الإظهار اصطلاحا: إخراج كل حرف من مخرجه من غير زيادة في غنة الحرف المُظهَر. وعلى هذا يجب فصل النون الساكنة أو التنوين عن الحرف الذي بعدها من غير سكت عليه.
حروف الإظهار : تظهر النون الساكنة أو التنوين إذا وقع بعدها حرف من حروف الحلق الستة: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء (ء هـ ع ح غ خ)
-النون الساكنة مع الهمزة
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي﴾ (طه 124)
-التنوين مع الهمزة
﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً﴾ (النبأ 16)
-النون الساكنة مع الهاء
﴿وَمِـنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ﴾ (الأعراف 168)
﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ (الأنعام 26) في هذا المثال التقاء نون ساكنة مع الهاء في كلمة يَنْهَوْنَ والتقاء أخرى مع همزة في كلمة وَيَنْأَوْنَ، وفي الحالتين يجب إظهار النون.
-التنوين مع الهاء
﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ (الرعد 7)
-النون الساكنة مع العين
﴿مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ (يونس 27)
-التنوين مع العين
﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة 29)
-النون الساكنة مع الحاء
﴿وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ (الحجر 82)
-التنوين مع الحاء
﴿إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (البقرة 220)
-النون الساكنة مع الغين
﴿وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ(الحاقة 36)
-التنوين مع الغين
﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًا غَفُورًا﴾ (النساء 43)
-النون الساكنة مع الخاء
﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ﴾ (البقرة 74)
-التنوين مع الخاء
﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ (الزلزلة 7)
ضبط النون الساكنة والتنوين عند الإظهار
-توضع علامة السكون على النون المظهرة مثل : أَنْـعَمْتَ.
- يتم ضبط التنوين المُظهر عن طريق تركيب حركتين :ضمتين أو فتحتين أو كسرتين:

*********************
أحكام الإدغام:
الإدغام :هو إدخال الشيء في الشيء .مثل إدخال اللجام في فم الفرس يقال أدغمته في فمه.
حروف الإدغام : تُدغم النون الساكنة والتنوين في ستة حروف مجموعة في كلمة (يرملون)
أقسام الإدغام: قسمان إدغام بغنة وإدغام بلا غنة.
إدغام بغنة:

يكون الإدغام بغنة إذا وقع بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف كلمة (ينمو)

ومثال ذلك:
-النون الساكنة مع النون
﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّـفْعِهِمَا﴾ (البقرة 219)
-التنوين مع النون
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّـاعِمَةٌ﴾ (الغاشية 8)
-النون الساكنة مع الميم
﴿وَيُسْقَى مِن مَّـاء صَدِيدٍ﴾ (ابراهيم 16)
-التنوين مع الميم:
وَلَيَكُونـًامِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾(يوسف 32)هذه نون التوكيد وليست تنوينا ولكنها تأخذ حكم التنوين من حيث الإدغام.
-النون الساكنة و التنوين مع الواو
﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ (البقرة 107)في هذا المثال إدغام للنون الساكنة في الواو في﴿مِن وَلِيٍّ﴾ وإدغام للتنوين في الواو﴿وَلِيٍّ وَلاَ
-النون الساكنة والتنوين مع الياء
﴿فَمَن يَـعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ (الزلزلة 7) في هذا المثال إدغام للنون الساكنة في الياء في كلمة ﴿فَمَن يَـعْمَلْ﴾ وإدغام للتنوين في الياء ﴿خَيْرًا يَرَهُ



إدغام بلا غنة
يكون الإدغام بلا غنة إذا وقع بعد النون الساكنة أو التنوين لام أو راء. وإدغام النون الساكنة والتنوين في هذين الحرفين إدغام كامل.
-النون الساكنة مع اللام
﴿وَيُؤْتِ مِن لَّـدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء 40)
-التنوين مع اللام
﴿هُدًى لِّـلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة 2)
-النون الساكنة مع الراء
﴿أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ﴾ (البقرة 5)
-التنوين مع الراء
﴿إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (البقرة 173)


حكم الإخفاء
تعريف الإخفاء اصطلاحا: النطق بالنون الساكنة أو التنوين - عند مخرج حرف الإخفاء- على صفة بين الإظهار والإدغام مع مراعاة بقاء الغنة في الحرف المخفي.
أداء الإخفاء: عند إخفاء النون الساكنة أو التنوين يتحول مخرج النون من طرف اللسان (مع لثة الأسنان العليا) إلى قرب مخرج حرف الإخفاء.حروف الإخفاء: هي باقي حروف الهجاء بعد استبعاد حروف الإظهار والإدغام وحرف الإقلاب - الباء - أي خمسة عشر حرفا مجموعة في أوائل كلمات البيت التالي:

صف ذا ثـنا كم جاد شخص قد سـما
دم طيبا زد فـي تقى ضـع ظـالما
كما يُراعى أيضا مد الغنة مقدار حركتين، وتفخيمها –أي الغنة- إذا كان حرف الإخفاء مفخما نحو ﴿إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ (الإسراء 33) وترقيقها إذا كان حرف الإخفاء مرققا مثل ﴿إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَـالًا وَجَحِيمًا﴾ (المزمل 12)


أمثلة على الإخفاء: قد تجتمع النون الساكنة مع حرف الإخفاء في كلمة واحدة وقد يكونان في كلمتين مختلفتين.
-﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَـأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَـاتِيَةٍ﴾ (الحاقة 6)
-﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنـًا فَـيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ (البقرة 245)
-﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُـمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَـفُورٌ﴾ (هود 9)
-﴿وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ﴾ (الأنعام 8)
-﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِـقُونَ﴾ (المرسلات 35)
-﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة 22)
-﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ (آل عمران 144)
﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ (البقرة 50)
-﴿لَن تَـنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُـنفِـقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ (آل عمران 92)
-﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ (الروم 54)
ضبط الإخفاء في المصاحف
يراعى في ضبط المصاحف تعرية الحرف المخفي من علامة السكون بالنسبة للنون الساكنة وتتابع الحركتين بالنسبة للتنوين.




الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

قصة ذي القرنين

 

قصة ذي القرنين

قال تعالى "وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ  قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا  قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)سورة الكهف.
  كان أهل الكتاب أو المشركون، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة ذي القرنين، فأمره الله أن يقول"سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ْ"فيه نبأ مفيد، وخطاب عجيب.
أي: سأتلوا عليكم من أحواله، ما يتذكر فيه، ويكون عبرة، وأما ما سوى ذلك من أحواله، فلم يتله عليهم.

"إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ْ"أي: ملكه الله تعالى، ومكنه من النفوذ في أقطار الأرض، وانقيادهم له" وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا ْ"أي: أعطاه الله من الأسباب الموصلة له لما وصل إليه، ما به يستعين على قهر البلدان، وسهولة الوصول إلى أقاصي العمران، وعمل بتلك الأسباب التي أعطاه الله إياها، أي: استعملها على وجهها، فليس كل من عنده شيء من الأسباب يسلكه، ولا كل أحد يكون قادرا على السبب، فإذا اجتمع القدرة على السبب الحقيقي والعمل به، حصل المقصود، وإن عدما أو أحدهما لم يحصل.
"حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا"
وهذه الأسباب التي أعطاه الله إياها، لم يخبرنا الله ولا رسوله بها، ولم تتناقلها الأخبار على وجه يفيد العلم، فلهذا، لا يسعنا غير السكوت عنها، وعدم الالتفات لما يذكره النقلة للإسرائيليات ونحوها، ولكننا نعلم بالجملة أنها أسباب قوية كثيرة، داخلية وخارجية، بها صار له جند عظيم، ذو عدد وعدد ونظام، وبه تمكن من قهر الأعداء، ومن تسهيل الوصول إلى مشارق الأرض ومغاربها، وأنحائها، فأعطاه الله، ما بلغ به مغرب الشمس، حتى رأى الشمس في مرأى العين، كأنها تغرب في عين حمئة، أي: سوداء، وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين أفق الشمس الغربي ماء، رآها تغرب في نفس الماء وإن كانت في غاية الارتفاع، ووجد عندها، أي: عند مغربها قوما"قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ْ"أي: إما أن تعذبهم بقتل، أو ضرب، أو أسر ونحوه، وإما أن تحسن إليهم، فخير بين الأمرين، لأن الظاهر أنهم كفار أو فساق، أو فيهم شيء من ذلك، لأنهم لو كانوا مؤمنين غير فساق، لم يرخص في تعذيبهم، فكان عند ذي القرنين من السياسة الشرعية ما استحق به المدح والثناء، لتوفيق الله له لذلك، فقال: سأجعلهم قسمين"أَمَّا مَنْ ظَلَمَ ْ"بالكفر "فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ْ"أي: تحصل له العقوبتان، عقوبة الدنيا، وعقوبة الآخرة.
"وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ْ"أي: فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء يوم القيامة"وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ْ"أي: وسنحسن إليه، ونلطف له بالقول، ونيسر له المعاملة، وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين الأولياء، العادلين العالمين، حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل أحد، بما يليق بحاله.

"ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا "89. أي لما وصل إلى مغرب الشمس كر راجعا، قاصدا مطلعها، متبعا للأسباب، التي أعطاه الله، فوصل إلى مطلع الشمس فـ "وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ْ"أي: وجدها تطلع على أناس ليس لهم ستر من الشمس، إما لعدم استعدادهم في المساكن، وذلك لزيادة همجيتهم وتوحشهم، وعدم تمدنهم، وإما لكون الشمس دائمة عندهم، لا تغرب عنهم غروبا يذكر، كما يوجد ذلك في شرقي أفريقيا الجنوبي، فوصل إلى موضع انقطع عنه علم أهل الأرض، فضلا عن وصولهم إليه إياه بأبدانهم، ومع هذا، فكل هذا بتقدير الله له، وعلمه به ولهذا قال " كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبَرًا ْ"أي: أحطنا بما عنده من الخير والأسباب العظيمة وعلمنا معه، حيثما توجه وسار.
"ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا" حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا"قال المفسرون: ذهب متوجها من المشرق، قاصدا للشمال، فوصل إلى ما بين السدين، وهما سدان، كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان، سدا بين يأجوج ومأجوج وبين الناس، وجد من دون السدين قوما، لا يكادون يفقهون قولا، لعجمة ألسنتهم، واستعجام أذهانهم وقلوبهم، وقد أعطى الله ذا القرنين من الأسباب العلمية، ما فقه به ألسنة أولئك القوم وفقههم، وراجعهم، وراجعوه، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم.
"قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا"94.
"إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ْ"بالقتل وأخذ الأموال وغير ذلك"فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ْ"أي جُعلا "عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ْ"ودل ذلك على عدم اقتدارهم بأنفسهم على بنيان السد، وعرفوا اقتدار ذي القرنين عليه، فبذلوا له أجرة، ليفعل ذلك، وذكروا له السبب الداعي، وهو: إفسادهم في الأرض، فلم يكن ذو القرنين ذا طمع، ولا رغبة في الدنيا، ولا تاركا لإصلاح أحوال الرعية، بل كان قصده الإصلاح، فلذلك أجاب طلبتهم لما فيها من المصلحة، ولم يأخذ منهم أجرة، وشكر ربه على تمكينه واقتداره.
فقال لهم"مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ْ"أي: مما تبذلون لي وتعطوني، وإنما أطلب منكم أن تعينوني بقوة منكم بأيديكم "أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ْ"أي: مانعًا من عبورهم عليكم.
"آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ْ"أي: قطع الحديد، فأعطوه ذلك.
"حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ْ"أي: الجبلين اللذين بني بينهما السد "قَالَ انْفُخُوا ْ"النار أي: أوقدوها إيقادا عظيما، واستعملوا لها المنافيخ لتشتد، فتذيب النحاس، فلما ذاب النحاس، الذي يريد أن يلصقه بين زبر الحديد "قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ْ"أي: نحاسا مذابا، فأفرغ عليه القطر، فاستحكم السد استحكاما هائلا، وامتنع من وراءه من الناس، من ضرر يأجوج ومأجوج.

"فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ْ"أي: فما لهم استطاعة، ولا قدرة على الصعود عليه لارتفاعه، ولا على نقبه لإحكامه وقوته.
فلما فعل هذا الفعل الجميل والأثر الجليل، أضاف النعمة إلى مُولِيها وقال" هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ْ"أي: من فضله وإحسانه عليَّ، وهذه حال الخلفاء الصالحين، إذا من الله عليهم بالنعم الجليلة، ازداد شكرهم وإقرارهم، واعترافهم بنعمة الله كما قال سليمان عليه السلام، لما حضر عنده عرش ملكة سبأ مع البعد العظيم، قال"هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ْ"بخلاف أهل التجبر والتكبر والعلو في الأرض فإن النعم الكبار، تزيدهم أشْرا وبَطَرا.
كما قال قارون -لما آتاه الله من الكنوز، ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة- قال"إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ْ"

وقوله"فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي ْ"أي: لخروج يأجوج ومأجوج "جَعَلَهُ ْ"أي: ذلك السد المحكم المتقن "دَكَّاءَ ْ"أي: دكه فانهدم، واستوى هو والأرض "وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ْ"
"وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا" 99. يحتمل أن الضمير، يعود إلى يأجوج ومأجوج، وأنهم إذا خرجوا على الناس -من كثرتهم واستيعابهم للأرض كلها- يموج بعضهم ببعض، كما قال تعالى " حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ْ"ويحتمل أن الضمير يعود إلى الخلائق يوم القيامة، وأنهم يجتمعون فيه فيكثرون ويموج بعضهم ببعض، من الأهوال والزلازل العظام، بدليل قوله" وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا""وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا" 100. إذا نفخ إسرافيل في الصور، أعاد الله الأرواح إلى الأجساد، ثم حشرهم وجمعهم لموقف القيامة، الأولين منهم والأخرين، والكافرين والمؤمنين، ليسألوا ويحاسبوا ويجزون بأعمالهم، فأما الكافرون -على اختلافهم- فإن جهنم جزاؤهم، خالدين فيها أبدًا.تفسير السعدي.

الجمعة، 28 أغسطس 2020

قصة طالوت وجالوت

 

قصة طالوت وجالوت

قال تعالى" أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ -246- وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ -247- وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ -248-فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ -249- وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ "250" فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ "251.البقرة.
التفسير
يقص تعالى على نبيه قصة الملأ من بني إسرائيل وهم الأشراف والرؤساء، وخص الملأ بالذكر، لأنهم في العادة هم الذين يبحثون عن مصالحهم ليتفقوا فيتبعهم غيرهم على ما يرونه، وذلك أنهم أتوا إلى نبي لهم بعد موسى عليه السلام فقالوا له "ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا "أي: عيِّن لنا ملكًا " نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " ليجتمع متفرقنا ويقاوم بنا عدونا، ولعلهم في ذلك الوقت ليس لهم رئيس يجمعهم، كما جرت عادة القبائل أصحاب البيوت، كل بيت لا يرضى أن يكون من البيت الآخر رئيس، فالتمسوا من نبيهم تعيين ملك يرضي الطرفين ويكون تعيينه خاصا لعوائدهم، وكانت أنبياء بني إسرائيل تسوسهم، كلما مات نبي خلفه نبي آخر، فلما قالوا لنبيهم تلك المقالة "قَالَ "لهم نبيهم "هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا"أي: لعلكم تطلبون شيئا وهو إذا كتب عليكم لا تقومون به، فعرض عليهم العافية فلم يقبلوها، واعتمدوا على عزمهم ونيتهم، فقالوا"قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا" أي: أي شيء يمنعنا من القتال وقد ألجأنا إليه، بأن أخرجنا من أوطاننا وسبيت ذرارينا، فهذا موجب لكوننا نقاتل ولو لم يكتب علينا، فكيف مع أنه فرض علينا وقد حصل ما حصل، ولهذا لما لم تكن نياتهم حسنة ولم يقوَ توكلهم على ربهم "فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا" فجبنوا عن قتال الأعداء وضعفوا عن المصادمة، وزال ما كانوا عزموا عليه، واستولى على أكثرهم الخور والجبن "إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ" فعصمهم الله وثبتهم وقوى قلوبهم فالتزموا أمر الله ووطنوا أنفسهم على مقارعة أعدائه، فحازوا شرف الدنيا والآخرة، وأما أكثرهم فظلموا أنفسهم وتركوا أمر الله، فلهذا قال" وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" .
"
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ"مجيبا لطلبهم "إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا" فكان هذا تعيينا من الله الواجب عليهم فيه القبول والانقياد وترك الاعتراض، ولكن أبوا إلا أن يعترضوا، فقالوا " قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ " أي: كيف يكون ملكا وهو دوننا في الشرف والنسب ونحن أحق بالملك منه. ومع هذا فهو فقير ليس عنده ما يقوم به الملك من الأموال، وهذا بناء منهم على ظن فاسد، وهو أن الملك ونحوه من الولايات مستلزم لشرف النسب وكثرة المال، ولم يعلموا أن الصفات الحقيقية التي توجب التقديم مقدمة عليها، فلهذا قال لهم نبيهم "قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ " فلزمكم الانقياد لذلك "وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ " أي: فضله عليكم بالعلم والجسم، أي: بقوة الرأي والجسم اللذين بهما تتم أمور الملك، لأنه إذا تم رأيه وقوي على تنفيذ ما يقتضيه الرأي المصيب، حصل بذلك الكمال، ومتى فاته واحد من الأمرين اختل عليه الأمر، فلو كان قوي البدن مع ضعف الرأي، حصل في الملك خرق وقهر ومخالفة للمشروع، قوة على غير حكمة، ولو كان عالما بالأمور وليس له قوة على تنفيذها لم يفده الرأي الذي لا ينفذه شيئا "وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" الفضل كثير الكرم، لا يخص برحمته وبره العام أحدا عن أحد، ولا شريفا عن وضيع، ولكنه مع ذلك "عَلِيمٌ" بمن يستحق الفضل فيضعه فيه، فأزال بهذا الكلام ما في قلوبهم من كل ريب وشك وشبهة لتبيينه أن أسباب الملك متوفرة فيه، وأن فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، ليس له راد، ولا لإحسانه صاد.
ثم ذكر لهم نبيهم أيضا آية حسية يشاهدونها وهي إتيان التابوت الذي قد فقدوه زمانا طويلا وفي ذلك التابوت سكينة تسكن بها قلوبهم، وتطمئن لها خواطرهم، وفيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، فأتت به الملائكة حاملة له وهم يرونه عيانا."
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىظ° وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ"
"
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ" أي: لما تملَّك طالوت ببني إسرائيل واستقر له الملك تجهزوا لقتال عدوهم، فلما فصل طالوت بجنود بني إسرائيل وكانوا عددا كثيرا وجما غفيرا، امتحنهم بأمر الله ليتبين الثابت المطمئن ممن ليس كذلك فقال "قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي" فهو عاص ولا يتبعنا لعدم صبره وثباته ولمعصيته "وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي" أي: لم يشرب منه فإنه مني "إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ " فلا جناح عليه في ذلك، ولعل الله أن يجعل فيها بركة فتكفيه، وفي هذا الابتلاء ما يدل على أن الماء قد قل عليهم ليتحقق الامتحان، فعصى أكثرهم وشربوا من النهر الشرب المنهي عنه، ورجعوا على أعقابهم ونكصوا عن قتال عدوهم وكان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة أكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول وتحصل فيه المشقة الكبيرة، وكان في رجوعهم عن باقي العسكر ما يزداد به الثابتون توكلا على الله، وتضرعا واستكانة وتبرؤا من حولهم وقوتهم، وزيادة صبر لقلتهم وكثرة عدوهم، فلهذا قال تعالى"فَلَمَّا جَاوَزَهُ" أي: النهر " هُوَ" أي: طالوت " وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ"وهم الذين أطاعوا أمر الله ولم يشربوا من النهر الشرب المنهي عنه فرأوا... قلتهم وكثرة أعدائهم، قالوا أي: قال كثير منهم "قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ" لكثرتهم وعَددهم وعُددهم "قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ" أي: يستيقنون ذلك، وهم أهل الإيمان الثابت واليقين الراسخ، مثبتين لباقيهم ومطمئنين لخواطرهم، وآمرين لهم بالصبر "كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ" أي: بإرادته ومشيئته فالأمر لله تعالى، والعزيز من أعزه الله، والذليل من أذله الله، فلا تغني الكثرة مع خذلانه، ولا تضر القلة مع نصره، "وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" بالنصر والمعونة والتوفيق، فأعظم جالب لمعونة الله صبر العبد لله، فوقعت موعظته في قلوبهم وأثرت معهم.
"
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ " ولهذا لما برزوا لجالوت وجنوده "قَالُوا" جميعهم "قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" أي: قو قلوبنا، وأوزعنا الصبر، وثبت أقدامنا عن التزلزل والفرار، وانصرنا على القوم الكافرين.
من هاهنا نعلم أن جالوت وجنوده كانوا كفارا، فاستجاب الله لهم ذلك الدعاء لإتيانهم بالأسباب الموجبة لذلك، ونصرهم عليهم "
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ" عليه السلام، وكان مع جنود طالوت، "جَالُوتَ" أي: باشر قتل ملك الكفار بيده لشجاعته وقوته وصبره "وَآتَاهُ اللَّهُ" أي: أتى الله داود "الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ" أي: منَّ عليه بتملكه على بني إسرائيل مع الحكمة، وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم، ولهذا قال "وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ" من العلوم الشرعية والعلوم السياسية، فجمع الله له الملك والنبوة، وقد كان من قبله من الأنبياء يكون الملك لغيرهم، فلما نصرهم الله تعالى اطمأنوا في ديارهم وعبدوا الله آمنين مطمئنين لخذلان أعدائهم وتمكينهم من الأرض، وهذا كله من آثار الجهاد في سبيله، فلو لم يكن لم يحصل ذلك فلهذا قال تعالى"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ" أي: لولا أنه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها وإقامتهم شعائر الكفر ومنعهم من عبادة الله تعالى، وإظهار دينه "وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم والمدافعة عنهم ومكنهم من الأرض بأسباب يعلمونها، وأسباب لا يعلمونها.
تفسير السعدي.

الأحد، 3 ديسمبر 2017

قَاعِدَة جليلة إِذا أردْت الِانْتِفَاع بِالْقُرْآنِ فاجمع قَلْبك

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ الشَّيْخ مُحي الدّين السنّة قامع الْبِدْعَة أَبُو عبد الله الشهير بِابْن قيّم الجوزيّة رَحمَه الله ورضى عَنهُ
قَاعِدَة جليلة إِذا أردْت الِانْتِفَاع بِالْقُرْآنِ فاجمع قَلْبك عِنْد تِلَاوَته وسماعه وأَلْقِ سَمعك واحضر حُضُور من يخاطبه بِهِ من تكلّم بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْهُ إِلَيْهِ فانه خَاطب مِنْهُ لَك على لِسَان رَسُوله قَالَ تَعَالَى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد} ق: 37.
وَذَلِكَ أَن تَمام التَّأْثِير لمّا كَانَ مَوْقُوفًا على مُؤثر مُقْتَض وَمحل قَابل وَشرط لحُصُول الْأَثر وَانْتِفَاء الْمَانِع الَّذِي يمْنَع مِنْهُ تضمّنت الْآيَة بَيَان ذَلِك كلّه بأوجز لفظ وأبينه وأدلّه على المُرَاد فَقَوله {إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى} أشار إِلَى مَا تقدّم من أوّل السُّورَة إلى هَهُنَا وَهَذَا هُوَ المؤثّر وَقَوله {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} فَهَذَا هُوَ الْمحل الْقَابِل وَالْمرَاد بِهِ الْقلب الحيّ الَّذِي يعقل عَنِ اللهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّا}يس: 69. أَي حيّ الْقلب وَقَوله {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أَي وجَّه سَمعه وأصغى حاسّة سَمعه إِلَى مَا يُقَال لَهُ وَهَذَا شَرط التأثّر بالْكلَام وَقَوله {وَهُوَ شَهِيدٌ} أَي شَاهد الْقلب حَاضر غير غَائِب قَالَ ابْن قُتَيْبَة اسْتمع كتاب الله وَهُوَ شَاهد الْقلب والفهم لَيْسَ بغافل وَلَا ساه وَهُوَ إِشَارَة إِلَى الْمَانِع من حُصُول التَّأْثِير وَهُوَ سَهْو الْقلب وغيبته عَن تعقّل مَا يُقَال لَهُ وَالنَّظَر فِيهِ وتأمّله فَإِذا حصل الْمُؤثر وَهُوَ الْقُرْآن وَالْمحل الْقَابِل وَهُوَ الْقلب الْحَيّ وَوجد الشَّرْط وَهُوَ الإصغاء وانتفى الْمَانِع وَهُوَ اشْتِغَال الْقلب وذهوله عَن معنى الْخطاب وانصرافه عَنهُ إِلَى شَيْء آخر حصل الْأَثر وَهُوَ الِانْتِفَاع والتذكّر
فَإِن قيل إِذا كَانَ التَّأْثِير إِنَّمَا يتم بِمَجْمُوع هَذِه فَمَا وَجه دُخُول أَدَاة أَو فِي قَوْله
{أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} والموضع مَوضِع وَاو الْجمع لَا مَوضِع أَو الَّتِي هِيَ لأحد الشَّيْئَيْنِ قيل هَذَا سُؤال جيّد وَالْجَوَاب عَنهُ أَن يُقَال خرج الْكَلَام بِأَو بِاعْتِبَار حَال الْمُخَاطب الْمَدْعُو فَإِن من النَّاس من يكون حَيّ الْقلب واعيه تَامّ الْفطْرَة فَإِذا فكَّر بِقَلْبِه وجال بفكره دلّه قلبه وعقله على صحّة الْقُرْآن وَأَنه الْحق وَشهد قلبه بِمَا أخبر بِهِ الْقُرْآن فَكَانَ وُرُود الْقُرْآن على قلبه نورا على نور الْفطْرَة وَهَذَا وصف الَّذين قيل فيهم {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحق}سبأ:6. وَقَالَ فِي حقّهم" اللهُ نورُ السَّمَوَات وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاء"النور: 35. فَهَذَا نور الْفطْرَة على نور الْوَحْي وَهَذَا حَال صَاحب الْقلب الْحَيّ الواعي قَالَ ابْن الْقيم وَقد ذكرنَا مَا تضمّنت هَذِه الْآيَة من الْأَسْرَار والعبر فِي كتاب اجْتِمَاع الجيوش الإسلامية على غَزْو المعطّلة والجهميّة فَصَاحب الْقلب يجمع بَين قلبه وَبَين مَعَاني الْقُرْآن فيجدها كَأَنَّهَا قد كتبت فِيهِ فَهُوَ يَقْرَأها عَن ظَهْر قَلْب وَمن النَّاس من لَا يكون تامَّ الاستعداد واعي الْقلب كَامِل الْحَيَاة فَيحْتَاج إِلَى شَاهد يميّز لَهُ بَين الْحق وَالْبَاطِل وَلم تبلغ حَيَاة قلبه ونوره وزكاء فطرته مبلغ صَاحب الْقلب الْحَيّ الواعي فطريق حُصُول هدايته أَن يفرغ سَمعه للْكَلَام وَقَلبه لتأمله والتفكير فِيهِ وتعقل مَعَانِيه فَيعلم حِينَئِذٍ أَنه الْحق فَالْأول حَال من رأى بِعَيْنِه مَا دعِي إِلَيْهِ وَأخْبر بِهِ وَالثَّانِي حَال من علم صدق الْمخبر وتيقّنه وَقَالَ يَكْفِينِي خَبره فَهُوَ فِي مقَام الْإِيمَان والأوّل فِي مقَام الْإِحْسَان هَذَا قد وصل إِلَى علم الْيَقِين وترقى قلبه مِنْهُ إِلَى فنزلة عين الْيَقِين وَذَاكَ مَعَه التَّصْدِيق الْجَازِم الَّذِي خرج بِهِ من الْكفْر وَدخل بِهِ فِي الْإِسْلَام فعين الْيَقِين نَوْعَانِ نوع فِي الدُّنْيَا وَنَوع فِي الْآخِرَة فَالْحَاصِل فِي الدُّنْيَا نسبته إِلَى الْقلب كنسبة الشَّاهِد
إِلَى الْعين وَمَا أخْبرت بِهِ الرُّسُل من الْغَيْب يعاين فِي الْآخِرَة بالأبصار وَفِي لدُنْيَا بالبصائر فَهُوَ عين يَقِين فِي المرتبتين.

الفوائد لابن القيم - هنا-

الاثنين، 10 يوليو 2017

الفاتحة تفسير وتدبر وعمل

الفاتحة
تفسير وتدبر وعمل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7).
الوقفات التدبرية :
﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿٢﴾ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴿٣﴾ مَٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ
كأنه سبحانه يقول: يا عبادي إن كنتم تحمدون وتعظمون للكمال الذاتي والصفاتي فاحمدوني فإني أنا «الله»، وإن كان للإحسان والتربية والإنعام فإني أنا «رب العالمين»، وإن كان للرجاء والطمع في المستقبل فإني أنا «الرحمن الرحيم»، وإن كان للخوف فإني أنا «مالك يوم الدين». الألوسي: 1/86.*
السؤال: ما دلالة الأوصاف الأربعة في بداية سورة الفاتحة على الحمد لله؟

﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿٢﴾ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴿٣﴾ مَٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ ﴿٤﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ
لما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجلّ المطالب ونيله أشرف المواهب علَّم اللهُ عبادَهُ كيفية سؤاله، وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه، وتمجيده ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم: توسل إليه بأسمائه وصفاته، وتوسل إليه بعبوديته. وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء.
ابن القيم: 1/36
السؤال: ذكرت في الآيات وسيلتان لاستجابة الدعاء، ما هما؟
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
ذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى؛ فإن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي. السعدي: 39.
السؤال: الاستعانة نوع من أنواع العبادة، فلماذا أفردها الله بالذكر بعد ذكر العبادة الشاملة للاستعانة وغيرها؟

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
العبادة أعلى مراتب الخضوع ولا يجوز شرعًا ولا عقلا فعلها إلا لله تعالى لأنه المستحق لذلك لكونه موليا لأعظم النعم من الحياة والوجود وتوابعهما.
الألوسي: 1/86.
السؤال: لماذا حصرت العبادة لله تعالى؟
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ
في قوله"
نَعْبُدُ" بنون الاستتباع، إشعار بأن الصلاة بُنِيَت على الاجتماع. البقاعي: 1/17.

السؤال: لماذا كانت صيغة العبادة والاستعانة والدعاء في سورة الفاتحة بالجمع؟



﴿ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ
الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق؛ بل لا نسبة بينهما؛ لأنه إذا هُدي كان من المتقين، "
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ". ابن تيمية: 1/116
السؤال: لماذا كانت الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق؟
* هنا *
﴿ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ
على قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم. وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على ذاك الصراط؛ فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالطّرف ... فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا؛ حذو القُذَّة بالقُذَّة جزاءً وفاقًا؛ "
هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "النمل: 90. ابن القيم: 1/35

السؤال:
ما العلاقة بين التزام العبد الصراط المستقيم في الدنيا وسيره على الصراط في الآخرة؟

التوجيهات
1- هذه السورة مقسمة بين الله وعبده؛ فـ"
إِيَّاكَ نَعْبُدُ" مع ما قبلها لله، "وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" مع ما بعدها للعبد، فتأمل، ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
2- لن تعبد الله حق العبادة حتى يعينك الله على ذلك، ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
3- الحذر من اتباع منهج اليهود: - تقديم الهوى على الشرع-﴿ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ومن منهج النصارى: -العبادة بالبدعة والجهل-، ﴿ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ


العمل بالآيات
1- . ادع الله، وابدأ الدعاء بالحمد والثناء عليه سبحانه كما ابتدأت سورة الفاتحة، ثم اسأله ما تريد كما ختمت السورة،﴿ ﴾ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ ،﴿ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ

1- . ادع الله، وابدأ الدعاء بالحمد والثناء عليه سبحانه كما ابتدأت سورة الفاتحة، ثم اسأله ما تريد كما ختمت السورة،﴿ ﴾ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ ،﴿ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴾.
2- سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن وأكثر سورة تقرأها، اقرأ تفسيرها من أحد التفاسير وأكثر من تدبر آياتها، ﴿ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴿١﴾ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾، الآيات ... إلى آخر السورة.
3- حدد مجموعة من أهل الخير والصلاح وأكثر من مصاحبتهم ومجالستهم، ﴿ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾.


معاني الكلمات
الكلمة ******* معناها
بِسْمِ اللَّهِ: أَيْ : أَبْتَدِئُ قِرَاءَتِي مُسْتَعِينًا بِاسْمِ اللهِ.
الرَّحْمَانِ :الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ جَمِيعَ الْخَلْقِ.
الرَّحِيمِ :الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ.
رَبِّ : الرَّبُّ: الْمُرَبِّي لِخَلْقِهِ بِنِعَمِهِ.
الْعَالَمِينَ : كُلِّ مَنْ سِوَى اللهِ تَعَالَى.
يَوْمِ الدِّينِ : يَوْمِ الْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ
: لاَ نَعْبُدُ إِلاَّ أَنْتَ.
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ:لاَ نَسْتَعِينُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِنَا إِلاَّ بِكَ.
الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ :الطَّرِيقَ الَّذِي لاَ عِوَجَ فِيهِ؛ وَهُوَ الإِسْلاَمُ.
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ :الْيَهُودِ، وَمَنْ شَابَهَهُمْ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ.
الضَّالِّينَ : النَّصَارَى، وَمَنْ شَابَهَهُمْ فِي الْعَمَلِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
* هنا *