عداد الزوار

الأربعاء، 8 أبريل 2020

أنواع البدع

أنواع البدع

الأصل في العبادات التوقف على الدليل الصحيح ثبوتًا واستدلالا.
قسم الشاطبي البدعة إلى قسمين: حقيقية, وإضافية.
وعرف الحقيقية بأنها ما لم يدل عليها دليل شرعي لا من كتاب, ولا من سنة, ولا من إجماع, ولا استدلال معتبر عند أهل العلم لا في الجملة ولا في التفصيل. وإن ادعى مبتدعها ومن تابعه أنها داخلة فيما استنبط من الأدلة، لأن ما استند إليه شبه واهية لا قيمة لها. فكأنها هي البدعة حقيقة وما عداها على المجاز.
وأما البدعة الإضافية ؛ فهي التي لها شائبتان :
إحداهما : لها من الأدلة متعلق ، فلا تكون من تلك الجهة بدعة .
والأخرى : ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية .

أي أنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين سنة ؛ لأنها مستندة إلى دليل ، وبالنسبة إلى الجهة الأخرى بدعة ؛ لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل ، أو غير مستندة إلى شيء .
والفرق بينهما من جهة المعنى : أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم ، ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها ، مع أنها محتاجة إليه ؛ لأن الغالب وقوعها في التعبديات لا في العاديات المحضة .

الاعتصام للإمام الشاطبي »
الباب الخامس في أحكام البدع الحقيقية والإضافية والفرق بينهما » هنا-
*أمثلة على البدعة الإضافية:


ـ تخصيص نصف شعبان بصيام وقيام :
فأصل الصيام مشروع وأصل القيام مشروع ولكن تخصيص هذا اليوم وليلته بعبادات معينة فهذا مما لا دليل عليه .

ـ عن سعيد بن المسيب : أنه رأى رجلًا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثرُ فيهما الركوع والسجود فنهاه .
فقال : يا أبا محمد ! يعذبني الله على الصلاة ؟ !
قال " لا ، ولكن يعذبُك على خلاف السنة " .
رواه البيهقي وغيره بسند حسن .

قال شيخنا العلامة محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في إرواء الغليل : 2 / 236 ، بعد إيراده هذا الأثر :
وهذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى ، وهو سلاحٌ قويٌّ على المبتدعة الذين يستحسنون كثيرًا من البدع باسم أنها ذِكرٌ وصلاةٌ ! ! ثم ينكرون على أهل السنة إنكار ذلك عليهم ، ويتهمونهم بأنهم ينكرون الذكر والصلاة ! !وهم في الحقيقة إنما ينكرون خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذلك " . ا . هـ .
علم أصول البدع / للشيخ : علي حسن عبد الحميد / ص : 72 .
ـ عن عُمَر بن سلمة الهَمْدَاني ـ رحمه الله ـ قال " كنا نجلس على باب " عبد الله بن مسعود " قبل صلاة الغداةِ ، فإذا خرج مَشَيْنا معه إلى المسجد . فجاءنا " أبو موسى الأشعري " ، فقال : أَخَرَجَ إليكم " أبو عبد الرحمن " بعد ؟ قلنا : لا .فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعًا . فقال له " أبو موسى " يا " أبا عبد الرحمن "
إني رأيتُ في المسجد آنفًا أمْرًا أنكرتُهُ ! ولم أرَ والحمد لله إلا خيرًا
.
قال : فما هو ؟
فقال - أي أبي موسى - : إنْ عشتَ فستراه .
قال أبو موسى : رأيتُ في المسجد قوْمًا حِلَقًا ،جلوسًا ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلْقة رجل ،وفي أيديهم حصى فيقول : سبَّحوا مائة ،فيسبحون مائةً .
قال ـ أي : عبد الله بن مسعود - أبو عبد الرحمن ـ :
فماذا قلتَ لهم ؟

قال - أي : أبي موسى الأشعري : ما قلتُ لهم شيئًا
انتظارَ رأيك .

قال - ابن مسعود : أفلا أمرتَهم أن يَعُدُّوا سيئاتهم وضَمِنتَ لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ !
ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حَلْقةً من تلك الحِلَق ، فوقف عليهم فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟

قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، حصى نَعُدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح .
قال : فَعُدُّوا سيئاتكم ، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويْحَكُم يا أمة محمد ! ما أَسْرعَ هلكتكم ! هؤلاء صحابة نبيكم ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ متوافرون وهذه ثيابه لم تَبْل ،وآنيته لم تُكْسَرْ ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو مفتتحوا باب ضلالة ؟ ! ! !
قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، ما أردنا إلا الخير .
قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله
ـ
صلى الله عليه وسلم ـ حدثنا " إن قومًا يقرءون القرآن ، لا يجاوز تراقيهم ،يمرقون من الإسلام كما يمرقُ السهم من الرَّمِيَّة " .

" وايم الله " ما أدري لعلَّ أكثرهم منكم! ثم تولى عنهم .
.فقال عمرو بن سلمة : فرأينا عامة أولئك الحِلَق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج .
أخرجه الدارمي . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة / مجلد رقم :5/حديث رقم : 5002 .
" وايم الله " : كلمة قسم . همزتها همزة وصل . المعجم الوجيز / ص :31 .

* ومن الفوائد التي تؤخذ من الحديث ، أن العبرة ليست بكثرة العبادة ، وإنما بكونها على السنة ، بعيدة عن البدعة. وقد أشار إلى هذا ابن مسعود بقوله :
" اقتصاد في سنة ، خيرٌ من اجتهادٍ في بدعة " .
* ومن الفوائد أن البدعة الصغيرة بريدٌ إلى البدعة الكبيرة ، ألا ترى أن أصحاب الحلقات صاروا بعدُ مِنَ الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد " علي بن أبى طالب " ؟
فهل من مُعْتَبِر ؟ نظم الفرائد : ج : 1 / ص : 211 .

شبهة والرد عليها
قد يقول قائل : تخصيص شهر رجب بصيام من باب " السنة الحسنة" لقول الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده ..... " . ـ الحديث ـ .
ولرد هذه الشبهة نورد الحديث مع توضيح مراد الشارع منه :

ـ عن المُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِيه ؛ قال : كُنَّا عِنْدَ رسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في صَدْرِ النَّهَارِ .

قال : فجاءهُ قومٌ حفاةٌ عراةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ "1"أوِ الْعَبَاءِ ،مُتَقَلِّدِي السُّيُوف . عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ "2" وَجْهُ رَسُولِاللهِ ـ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم ـ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الفَاقَةِ . فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ . فَأَمَرَ
بِلالاً
فَأَذَّنَ وَأَقَامَ . فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَال :


" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ." .إلى آخر الآية . " إنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ".سورة النساء / آية : 1.
والآيَةَ التي في الحَشْرِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوااتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
وَاتَّقُوا اللهَ ..." . سورة الحشر / آية : 18 .

تَصَدَّق "3" رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ ، مِنْ دِرْهَمِهِ ، مِنْ ثَوْبِهِ ،مِنْ صَاعِ بُرِّهِ ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حتى قَالَ - ولَوْ بِشَقِّ تَمْرَةٍ .

قَالَ : فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا . بَلْ قَدْ عَجَزَتْ .
قالَ : ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَينِ مِنْ طَعَامٍ وثِيَابٍ . حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسْولِ اللهِ– صلى الله عليه
وسلم – يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ "4" .
فقالَ رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" مَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً ، فَلَهُ أَجْرُهَا ،وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ . مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ " .
ومَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنةً سَيئةً ، كانَ عليهِ وِزْرُهَا ووِزْرُ مَنْ عَمِلَ بها مِنْ بَعْدِهِ . مِنْ غَيْرِ
أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " .صحيح مسلم / ( 12 ) ـ كتاب : الزكاة / ( 20 ) ـ باب : الحث علىالصدقة ولو بشق تمرة ... / حديث رقم : 69 ـ ( 1017 ) / ص : 241 .
" 1 " الجَوْب : القَطْعُ . النمار : جمع نَميرة وهي كساء من صوفٍ مخطط .
مجتابيها : أي لابسيها قد خرقوها في رؤوسِهم - أي خرقوها وقوروا وسطها- .
"2 " تمعر : تغير .
"3 " تصدق : أي ليتصدق فهو خبر بمعنى الأمر .

" 4"مُذْهَبة : الصفاء والاستنارة .
* من شرح الحديث بصحيح مسـلم :
من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ..... .
فيه الحث على الابتداء بالخيرات ، وسن السنن الحسنات ،
والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات .
وسبب هذا الكلام في هذا الحديث أنه قال في أوله :
"فجاء رجل بصرة كادت كفه تعجز عنها ، فتتابع الناس "
وكان الفضل العظيم للبادي بهذا الخير ، والفاتح لباب هذا الإحسان .
وفي هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " ،
وأن المراد به المحدثات الباطلة ، والبدع المذمومة .
ا . هـ. من سن سنة حسنة :
نجد أن السُّنَّة الحسنة في هذا الحديث هي الصدقة وهي لها أصل في الدين ولكن الحث عليها بالعمل - القدوة-..... فيقتدي به الناس ، يعتبر سنة حسنة .
وليس إذًا معنى السنة الحسنة أن نبتدع في دين الله أي عبادات ونقول من سن في الإسلام سنة حسنة .
فلا يخصص شهر رجب بصيام ونقول من سن في الإسلام سنة حسنة ..... .
ولا نحتفل بليلة النصف من شعبان ونحييها ونخصها بعبادات معينة تحت ستار من سن في الإسلام سنة حسنة .
فلا عبادة إلا بنص صحيح
بفهم السلف الصالح .
- هنا -

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق